مقدمة

برزت ليز تشيني، عضو مجلس النواب الأمريكي سابقاً وابنة نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، كشخصية سياسية محورية وصوت معارض داخل الحزب الجمهوري، ولفتت الأنظار بسبب مواقفها الصارمة وتصريحاتها المثيرة للجدل. بدأت تشيني مسيرتها السياسية كعضو ملتزم بسياسات الحزب الجمهوري، إلا أن أحداثًا سياسية كبرى، مثل اقتحام الكابيتول في يناير 2021، دفعتها إلى اتخاذ مواقف مغايرة لما هو متوقع من الجمهوريين، ما جعلها واحدة من أبرز الشخصيات الجمهورية التي تتحدى علنًا نفوذ الرئيس السابق دونالد ترامب.

1. النشأة والخلفية العائلية

ولدت إليزابيث "ليز" تشيني في 28 يوليو 1966، وهي ابنة نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، الذي شغل منصب نائب الرئيس خلال فترة حكم جورج دبليو بوش من 2001 إلى 2009. نشأت ليز في بيئة سياسية بامتياز، حيث لعب والدها دوراً بارزاً في صنع القرار الأمريكي، وخاصة في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية. حصلت تشيني على تعليم مميز في التاريخ والقانون، حيث درست في جامعة كولورادو وكلية القانون في جامعة شيكاغو، مما زودها بخلفية قوية ساعدتها على خوض العمل السياسي فيما بعد.

2. دخول السياسة والانتخاب لعضوية مجلس النواب

انضمت ليز تشيني إلى السياسة لأول مرة كمحللة سياسية ومستشارة، حيث عملت في وزارة الخارجية الأمريكية وتخصصت في قضايا الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب. في عام 2016، تم انتخابها كعضو في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية وايومنغ، وبسرعة أصبحت إحدى أبرز الشخصيات الجمهورية، حيث دافعت عن مبادئ الحزب والتزمت بسياساته التقليدية، خصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن القومي.

3. مواقفها السياسية: مناصرة للقيم الجمهورية المحافظة

كانت تشيني تُعرف بمواقفها المحافظة ودعمها القوي للجيش والأمن القومي. كما كانت داعمة للسياسة الخارجية التي تعزز النفوذ الأمريكي حول العالم. وعلى الرغم من تأييدها للعديد من سياسات ترامب، خاصةً الاقتصادية والدفاعية، إلا أنها احتفظت بوجهة نظر مستقلة وتجنبّت الانغماس في النهج الشعبوي الذي تبناه بعض زملائها في الحزب الجمهوري.

تؤمن تشيني بأن الحزب الجمهوري يجب أن يتمسك بمبادئه الأساسية، وألا يسمح للشعبوية أن تقوده إلى مواقف تطرفية تهدد الديمقراطية الأمريكية. وقد انتقدت تشيني علناً ما وصفته بـ"التوجهات الشعبوية" التي اجتاحت الحزب في عهد ترامب، حيث كانت ترى أن هذه التوجهات تهدد روح الديمقراطية الأمريكية.

4. موقفها من أحداث اقتحام الكابيتول

أثارت تشيني جدلاً كبيراً داخل الحزب الجمهوري بعد أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، حيث كانت واحدة من الأعضاء الجمهوريين القلائل الذين صوتوا لصالح عزل الرئيس السابق دونالد ترامب بتهمة التحريض على العصيان. صرحت تشيني بعد التصويت بقولها: "لم يكن هناك خيانة أكبر من رئيس للولايات المتحدة لقسمه ودستوره". هذا الموقف القوي وضعها في مواجهة مباشرة مع ترامب ومع جمهور واسع من القاعدة الجمهورية التي استمرت في دعم الرئيس السابق.

كانت هذه الخطوة نقطة تحول في مسيرة تشيني السياسية، إذ تعرضت لانتقادات شديدة من زملائها الجمهوريين، وفُقدت ثقتهم فيها تدريجيًا. ومع ذلك، أكدت تشيني أنها اتخذت هذا الموقف بناءً على مبادئها وقناعاتها، وأنها لن تتراجع عن الدفاع عن الدستور الأمريكي.

5. عزلها من قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب

في مايو 2021، وبعد مواقفها المتكررة المناهضة لترامب، تم عزل ليز تشيني من منصبها كرئيسة المؤتمر الجمهوري في مجلس النواب، وهو المنصب الثالث من حيث الأهمية بين الجمهوريين في المجلس. جاءت هذه الخطوة كنتيجة مباشرة لانتقاداتها المتواصلة لترامب ولجهودها في التأكيد على خطورة تصريحاته المتعلقة بتزوير الانتخابات. وعبرت تشيني عن خيبة أملها من الحزب الذي اختار الوقوف بجانب ترامب، مؤكدةً أن موقفها هو للدفاع عن قيم الديمقراطية الأمريكية، وليس مجرد موقف سياسي.

6. عضويتها في لجنة التحقيق في أحداث 6 يناير

بعد أن تم عزلها من القيادة الجمهورية، انضمت تشيني إلى لجنة التحقيق الخاصة بأحداث 6 يناير، والتي شكلها مجلس النواب للتحقيق في أسباب وملابسات اقتحام الكابيتول. أصبحت تشيني نائبة رئيس هذه اللجنة، وعملت بجدية لكشف دور ترامب وبعض حلفائه في التحريض على الاقتحام. واجهت انتقادات لاذعة من الجمهوريين، لكنها واصلت التحقيق بجدية. كما أصبحت وجهاً بارزاً في الدفاع عن الديمقراطية وأهمية الشفافية في التحقيق.

7. تداعيات مواقفها السياسية على حياتها المهنية

كان لمواقف تشيني آثار كبيرة على مسيرتها السياسية، حيث فقدت دعم جزء كبير من قاعدة الحزب الجمهوري في وايومنغ، وواجهت ضغوطاً متزايدة من جانب قادة الحزب. وفي أغسطس 2022، خسرت تشيني سباق إعادة انتخابها لمقعدها في مجلس النواب أمام منافس مدعوم من ترامب، ما شكل نهاية فترة عملها في المجلس.

ومع ذلك، أثبتت تشيني خلال مسيرتها أنها مستعدة للتضحية بمستقبلها السياسي من أجل قناعاتها. وصرحت بعد خسارتها أن الدفاع عن الدستور والديمقراطية الأمريكية كان دائماً هدفها الأول، بغض النظر عن العواقب السياسية التي قد تواجهها.

8. تأثير ليز تشيني على السياسة الأمريكية والجمهورية

أثارت مواقف تشيني انقساماً داخل الحزب الجمهوري بين التيار التقليدي الداعم لمبادئ الحزب الكلاسيكية، والتيار الشعبوي الذي بات يسيطر على الحزب تحت تأثير ترامب. وقد أظهرت مواقفها أن هناك مساحة داخل الحزب للأصوات التي تدعو للعودة إلى المبادئ التقليدية، مثل احترام الدستور والمؤسسات الديمقراطية.

كما أصبحت تشيني رمزاً للمقاومة ضد نزعات التطرف في السياسة الأمريكية، حيث دعت مراراً وتكراراً إلى ضرورة احترام سيادة القانون، ورفضت تبرير العنف السياسي. وباتت تمثل تياراً يسعى إلى إعادة الحزب الجمهوري إلى جذوره المحافظة التقليدية.

9. مستقبل ليز تشيني السياسي

رغم خسارتها لمقعدها في مجلس النواب، لم تتراجع تشيني عن العمل السياسي، حيث أعربت عن نيتها مواصلة الدفاع عن الديمقراطية ومحاربة التطرف السياسي. وقد أثيرت تكهنات حول احتمال ترشحها للرئاسة في انتخابات 2024 كمستقلة أو حتى كمنافسة داخل الحزب الجمهوري. تشير هذه التكهنات إلى أن تشيني ربما تسعى للعب دور في إعادة بناء الحزب الجمهوري على أسس جديدة وأكثر احتراماً للقيم الديمقراطية.

خاتمة

ليز تشيني، السياسية الجمهورية التي واجهت انتقادات واسعة بسبب تمسكها بمبادئها، تعتبر نموذجاً غير معتاد في الساحة السياسية الأمريكية. فعلى الرغم من خسارتها الدعم الحزبي والمقعد السياسي، استطاعت أن تحافظ على مصداقيتها وسمعتها كصوت شجاع يدافع عن الدستور، مما يجعلها رمزاً للمقاومة الديمقراطية داخل الحزب الجمهوري. يمثل موقف تشيني تذكيراً بأن السياسة ليست مجرد معركة من أجل السلطة، بل يمكن أن تكون ساحة للدفاع عن المبادئ والقيم.